الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تخيل قريةً استيقظ أهلها ذات يوم على وقع خطى غرباء جاءوا يحملون رسالةً غريبة، تدعوهم إلى ترك ما ألفوه من عبادة الأصنام، والإيمان بإله واحد لا شريك له. كيف سيكون رد فعلهم؟ هل سيستمعون؟ أم سيتشائمون ويهددون؟ هذه قصة قرآنية عظيمة تحمل بين طياتها دروسًا خالدة، تمس قلب كل قارئ وتثير فيه التساؤلات: ماذا لو كنت مكانهم؟
في سورة ياسن، يقص الله علينا قصة قرية جاءها المرسلون يحملون الهدى، لكن أهلها قابلوا الدعوة بالتكذيب والرفض. أرسل الله إليهم رسولين أولًا، فكذبوهما، فأيدهما بثالث لتقوية الحجة، لكن القوم أصروا على عنادهم، وقالوا: *"ما أنتم إلا بشر مثلنا، وما أنزل الرحمن من شيء، إن أنتم إلا تكذبون"*.
لم ييأس المرسلون، وأكدوا أنهم لا يطلبون أجرًا، ولا يريدون إلا البلاغ المبين. لكن التشاؤم سيطر على القوم، فهددوا المرسلين بالرجم والعذاب الأليم. وفي لحظة حرجة، جاء رجل من أقصى المدينة يسعى، ناصحًا قومه باتباع المرسلين، مؤكدًا أنهم لا يطلبون مالًا ولا جزاءً، بل يريدون الهداية.
لكن القوم لم يستجيبوا، بل قتلوا ذلك الرجل المؤمن، فكانت نهايتهم صيحةً واحدة أهلكتهم جميعًا، ليصبحوا عبرةً لمن يعتبر.
المعنى الإجمالي
القصة تظهر صراعًا أزليًّا بين الحق والباطل، بين الإيمان والعناد. فالقوم رفضوا الرسالة بحجة أن المرسلين بشر مثلهم، متناسين أن الله يختار من يشاء لحمل دعوته. ثم جاء ذلك الرجل المؤمن من بعيد، ليضحي بنفسه في سبيل نصح قومه، لكنهم قابلوا إيمانه بالقتل، فكان العذاب مصيرهم.
الدروس والعبر
- *إقامة الحجة*:
إرسال الرسل والدعاة ضرورة لإبلاغ الناس بالحق، فلا عذر لأحد بعد البلاغ.
- *الصبر على الأذى*:
المرسلون واجهوا التكذيب والتهديد، لكنهم صبروا وأكدوا أنهم لا يطلبون إلا إبلاغ الرسالة.
- *نصرة الحق*:
الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يذكرنا بوجوب الوقوف مع الدعاة، ولو كلفنا ذلك تضحيات.
- *عاقبة العناد*:
القوم رفضوا الهداية واستهزؤوا بالمرسلين، فكانت نهايتهم دمارًا وحسرة.
- *الإخلاص في الدعوة*:
المرسلون لم يطلبوا أجرًا، بل كان همهم هداية الناس، وهذا درس لكل داعية.
- *التشاؤم والجهل*:
تَطَيُّر القوم من المرسلين يدل على جهلهم، فالشؤم الحقيقي هو في المعاصي والشرك.
قصة أصحاب القرية تظل نبراسًا يضيء طريق المؤمنين، تذكرنا بأن الحق قد يُكذَّب، والدعاة قد يُهدَّدون، لكن العاقبة دائمًا للمتقين. فهل نعتبر؟
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.